مركز الصناعة الأول في الشرق الأوسط
لعل مستقبل مدينة البصرة لا يؤهلها بان تكون المنطقة الصناعية الأولى في العراق فحسب ، بل أن تكون المنطقة الصناعية الأولى في الشرق الأوسط وذلك لعدة أسباب :
1 . غزارة الأحواض النفطية فيها : دلت المكتشفات الحديثة إلى إن منطقة البصرة تحوي على أحد اكبر مخزون نفطي في العالم ، من حيث تواجد اكبر الأحواض النفطية الغزيرة حولها ، كحقل مجنون ، وحقل السيبة ، وحقول الرميلة والنخيلة ، وحقل جنوب القرنة الذي يمتد إلى مناطق الاهوار ، والحقول التي تمتد إلى داخل حدود السعودية والكويت وغيرها ، كل هذا يجعلها مؤهلة لإنشاء مصانع تكرير النفط الخام وتصديره بعد عملية التكرير بما يوفر من وارد إضافي كبير وأعمال كثيرة للعمال والفنيين والمتخصصين .
2 . توفر كميات هائلة من الغاز الطبيعي : ولنفس السبب السابق فان كميات الغاز المستخرجة ، والتي ترافق عملية إنتاج النفط ستمكن من إقامة مصانع تسييل الغاز بعد تنقيته بغية تصديره إلى الخارج .
3 . إمكانية التوسع في صناعة البتروكيماويات : كما وان الكميات الهائلة للغاز ستفرض إقامة المزيد من مصانع البتروكيماويات والأسمدة المختلفة .
4 . إمكانية إقامة محطات توليد الطاقة : بالإضافة إلى ما تم ذكره فان توفر الغاز الطبيعي سيسهل من إمكانية إنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعتمد على ذلك الغاز الطبيعي ، والاستفادة من الكهرباء في تغذية الكثير من الصناعات ، مثل استخراج وتصنيع الألمنيوم ، والحديد ، وغير ذلك .
5 . موقعها على الخليج : إن موقع البصرة المميز وكونها وضواحيها من الموانئ البحرية الوحيدة للعراق ، فان ذلك سيساهم في تأهيلها لإنشاء منطقة صناعية وتجارية حرة ، تمتد على مساحة المثلث بين ميناء أم قصر وميناء خور الزبير وميناء الفاو . إن مما يساعد على إنشاء هذه المنطقة الحرة بالإضافة إلى الموقع الجغرافي هو رخص أجور العاملين فيها سواء كانت البسيطة أو الماهرة بما فيهم من مهندسين وفنيين . هذا بالإضافة إلى توفر الطاقة الكهربائية والوقود بأسعار رخيصة جداً ، وتوفر الماء اللازم للصناعة بأسعار رخيصة ، كما وأن منطقة البصرة تتصل بشبكة من وسائل النقل البري والنهري والبحري ، وقربها من أسواق الاستهلاك أو موانئ التصدير ، والكثير من المواد الأولية متوفر فيها أو قريب منها ، راجع بحث (المثلث الصناعي التجاري الحر) .
إن بإمكان مثل هذه المنطقة الحرة تجهيز العراق بالكثير من الصناعات المختلفة التي يحتاجها ، كما وان بإمكانها استهلاك الكثير من مواده الأولية ، سواء كانت معدنية أو زراعية وحيوانية ، هذا بالإضافة إلى جعلها منطقة تصدير واستيراد من والى العالم الخارجي .
الخطوات التي يتطلب اتباعها في التحويل الصناعي :
المقومات الصناعية الكبيرة المتوفرة في البصرة لا تكفي من تحويل المدينة إلى منطقة صناعية ما لم تترجم بخطوات عملية مصاحبة لها ، ولعل أهم تلك الخطوات ما يلي :
تخصيص منطقة صناعية ضمن المنطقة التجارية الحرة : لعل أحد أهم الأسباب في تنشيط الصناعة هو إقامة المنطقة الصناعية التجارية الحرة والتي اقترحنا أن تكون ضمن المثلث بين مدينة الفاو وخور الزبير وأم قصر ، والذي نطلق عليه المثلث التجاري الصناعي الحر . إن أهمية هذه المنطقة تأتي لتحرير الصناعة من القيود التي تعاني منها داخل العراق ، والتي قد تحتاج إلى عقود طويلة للتخلص منها ، من الروتين الحكومي وقوانين الاستيراد والتصدير وقوانين العمل وغيرها . وبعد إن تدرس الصناعات التي يمكن أن تقام في ذلك المثلث وتقسّم الأراضي بمساحات تتناسب مع المشاريع ، ويتم توصيل الماء والكهرباء والغاز وتعبيد الشوارع وتنظيم مياه المجاري والصرف الصحي يتم توزيعها ، حيث تعطى الأولوية إلى أبناء المنطقة والعراقيين الذين يعيشون في المهجر ، ثم إلى المشاريع التي يقوم بها غير العراقيين وحسب أهميتها وحاجة البلد إليها ، راجع بحث (مشروع المثلث الصناعي التجاري الحر) .
إن دراسة مستفيضة لا بد وأن تجرى على مثل هذا المشروع وإشراك الصناعيين أصحاب المصلحة في مثل هذه الدراسة ، والاستفادة من التجارب التي مرت في المشاريع المشابهة في دولة الإمارات العربية وغيرها .
تعديل القوانين الصناعية بإيجاد الاستثنائات : كما يعتمد الفقهاء المقولة ،"ادرءوا الحدود بالشبهات" ، فان هنالك كثير من القوانين الصناعية التي صيغت وطبقت بشكل جامد يمكن تخفيف وطأتها بالاستثنائات ، مثال ذلك عدم إمكانية إقامة مشروع صناعي إلا في المنطقة الصناعية المخصصة للمدينة . وبالرغم ما يبدوا عليه القانون من منطقية إلا إن الذين وضعوا أسسه هم أناس أكاديميين بعيدين عن ساحة العمل وفهم المشاكل العملية ! فالذي يريد أن ينشأ مصنعاً للدبس مثلاً ، يجب أن يكون موقع مصنعه وحسب صيغة القانون ، بـين بقية المصانع في تلك المنطقة ، علماً إن تلك المنطقة غير مناسبة لمثل هذه الصناعة لعدم توفر كميات كبيرة من الماء الضروري لهذه الصناعة ، ولكثرة الغبار الذي قد يؤثر على جودة المنتج أثناء خزن التمر واثناء عمليات التصنيع ، وذلك سيؤدي إلى تضاعف الكلفة بسبب المصاريف الإضافية التي يتحملها التصنيع جراء عمليات النقل والخزن ، كنقل التمر إلى المصنع ونقل بقايا التمر من المصنع ، كما وان المساحات المخصصة للمصانع لا تكون كافية لمثل هذا المشروع ، وكلفة الأرض التي تبيعها البلدية لصاحب المصنع ستكون باهظة . ومثال طريف آخر : فالذي يريد إنشاء مصنع للبلاط (الكاشي) أو الخرسانة الكونكريتية عليه أن يضع جهاز إطفاء للحريق في المصنع ، بالرغم انه لا يوجد أي شيء فيه قابل للاحتراق ، ومحتويات المواد الداخلة في التصنيع هي مواد تستخدم في إطفاء الحريق عادةً لا في حدوثه ، كالرمل والماء والحصى ، وقس على هذا . فإذا كنا لا نستطيع إن نغير قوانين الدولة لأننا جزء من العراق الذي يخضع لهذه القوانين ، فان بإمكان البلدية بما تملك من صلاحيات في استقلاليتها الإدارية عن الدولة أن تجعل لهذه القوانين استثنائات تقوم لجنة خاصة بدراسة ظروف كل مشروع ، وبشكل مستقل ، وحل مشاكله القانونية بانفراد .
المساواة في الخدمات : قدم المصرف الصناعي والمصرف الزراعي في العقود الماضية الكثير من القروض والتسهيلات المصرفية للمشاريع المقامة في محافظات المنطقة الوسطى وبعض محافظات المنطقة الشمالية ، أما المنطقة الجنوبية فكان نصيبها من تلك المصارف ، هو البنايات التي تحمل أسماء تلك المصارف فقط ، إذ لم تقدم قروضاً أو تسهيلات للمشاريع المقامة هناك ولو عن طريق الخطأ ، ومن يتقدم لأي مشروع يضعوا أمامه قائمة من الشروط الغير منطقية والتي لا يمكن تنفيذها عملياً ، في الوقت الذي كانت نفس تلك المصارف تتغاضى عن كل ذلك في المناطق الأخرى . إن نظام المحافظ والمجلس البلدي المنتخبان من قبل أهالي المحافظة والذي لا بد من تطبيقه إذا أردنا نظام ديمقراطي ، يجب أن يتدخل لرفع هذا الغبن في التمييز بين المحافظات (راجع النظام السياسي لمدينة المستقبل) .
تشجيع المهندسين وذوي الاختصاص بإقامة المشاريع الصناعية : لقد كانت كل المصانع الصغيرة ولغاية عام 1982 مملوكة من قبل أناس بعيدون عن الصناعة والتخصص الصناعي ، (ولا يعلم الباحث عن حالها بعد ذلك) ، فمن بين اكثر من ألفين مشروع صناعي مسجل في اتحاد الصناعات في البصرة كان هناك شخص واحد مهندس فقط ، أما الباقون فكانوا بين خياط وبقال وراعي غنم وفلاح وغير ذلك ، وكان هناك بضع مهندسين يعدون على أصابع اليد الواحدة يمتلكون مصانع ولكنها مسجلة بأسماء أناس آخرين ، وأنا هنا لا أريد أن انقص من قدر أصحاب المصانع أو اتحاد الصناعات ، إلا إن هذه الحقيقة تمثل كارثة صناعية ، فعندما تدار تلك الصناعات من قبل أشخاص ليسوا بذوي اختصاص ولا يفهموا حتى المبادئ الأولية في الصناعة ، وأكثرهم لا يعرف حتى القراءة والكتابة ، فعلينا أن نتصور كيف سيكون حال الصناعة ؟
لعل القارئ يتعجب من هذا الوضع ويتساءل عن السبب ، والتعمق في معرفة هذه المصيبة هو أمر اشد مرارة من المصيبة نفسها ! ذلك لان القوانين أو قرارات مجلس قيادة الثورة التي تتمتع بقوة القانون ، تحضر على كل مهندس أن يفتح مشروع صناعي إلا بعد أن يحصل على موافقة من مجلس قيادة الثورة ! ! والحجة في ذلك إن الدولة كانت تحتاج هؤلاء المهندسين في العمل في مؤسساتها ، وتمنع عليهم الاستقالة أو العمل في أي مكان آخر ، كالمقاولات مع الدولة ، والعمل مع الشركات الأجنبية المقاولة ، وفتح المصانع وغير ذلك . وقد نسي المسؤولون إن ذلك سيحرم هذه القطاعات من العناصر الكفوءة والمتعلمة ، ولم يهتموا إلا بملأ الشاغر لديهم ، وتكديس أولاءك المهندسين في الدوائر وكبطالة مقنعة ، أو ليقوموا بأعمال إدارية أو شبه إدارية يستطيع أن يشغلها الإداريون والفنيون وربما بكفاءة أعلى .
إن أحد أسباب تطور الصناعة في المستقبل يكمن بالاستفادة من هذه العناصر الشابة المتعلمة ، وتسهيل القروض المصرفية لهم ليبدؤوا في إنشاء المصانع بعد تأهيلهم لتلك الصناعات نظرياً وعملياً ، وان تلك المصانع الصغيرة يمكن إن تتطور لتصبح شركات ومصانع كبيرة تساهم في النهضة الصناعية للبلد بعد فترة من الزمن ، راجع بحث (بناء القاعدة الصناعية في العراق) .
عمل دراسات للمشاريع الجديدة التي يمكن إقامتها : يمكن للمحافظة وباستخدام بعض الأخصائيين وبالتعاون مع وزارة الصناعة ايضاً ، من عمل دراسات مفصلة حول المشاريع التي تحتاجها المحافظة مع كيفية تنفيذها ، مما يشجع بعض المستثمرين من الاستفادة من تلك الدراسات وتنفيذ تلك المشاريع ، ودون البحث عن مشاريع تحتاج إلى الدراسة ، وعلى الأخص إذا أعطيت تلك المشاريع بعض الامتيازات والتسهيلات الإضافية . إن هنالك الكثيرون من المستثمرين الذين يبحثون عن استثمار لأموالهم ، ولكن تنقصهم الخبرة والمعلومات الكافية لاختيار المشروع المناسب ، ويخشون المجازفة بمشروع غير مدروس جيداً ولا تعرف نتائجه .
تقديم الدعم المادي والمنح لإقامة بعض المشاريع : هنالك الكثير من المشاريع المهمة للعراق ككل ولمحافظة البصرة بشكل خاص ، كالمشاريع الخاصة بإنتاج وتصنيع بعض المواد الغذائية التي تفتقر إليها المحافظة ، مثل مصانع الألبان على سبيل المثال ، أو التي تستخدم المواد الأولية التي يمكن الاستفادة منها وتصنيعها ، أو التي تحل بعض المشاكل التي تعاني من نقصها المنطقة ، كمشاريع العلف الحيواني والمشاريع التي تساهم بحل مشاكل السكن أو النقل والسياحة والزراعة والى آخر القائمة . إن مثل هذه المشاريع قد تحتاج بعض الدعم الذي يجب أن تتحمله الدولة ، وميزانية المحافظة ، وهذا الدعم قد يكون بإعطاء التسهيلات الإضافية من ارض أو توصيل الكهرباء وبيعها بأسعار مخفضة أو توصيل الماء والغاز والى آخره ، وقد يكون دعم مالي على شكل منح أو قروض إضافية مسهلة . إن هذا الدعم وبدون شك قد يساهم بإنجاز مشاريع صناعية غير مرغوب بها كثيراً من قبل المستثمرين ، ويخلق توازن بين ما تحتاجه المنطقة وما يمكن أن تقدمه الصناعة المحلية .
تشجيع إنشاء الشركات الصناعية المساهمة : لقد خطت الحكومة العراقية أيام عبد الكريم قاسم في الفترة ما بين 1958 – 1963 م خطوات عملية بخلق نواة للصناعات الوطنية ، فقد شجعت وساهمت وقدمت القروض لإنشاء شركات صناعية مساهمة ، وكانت النتيجة مولد عدة شركات صناعية منها ، شركة الصناعات الخفيفة ، وشركة الصناعات الكهربائية وغيرها كما تأسس عدد من المصارف الوطنية ايضاً ، ولو تم الاستمرار بهذا العمل والسير في هذا الطريق لأصبح العراق أحد الدول الصناعية المهمة ، حيث استطاعت هذه الشركات من القيام بتصنيع عدد من المنتجات المهمة التي يحتاجها السوق وبكفاءة عالية ومدة يسيرة ، ولكن هذه التجربة الرائدة تم إجهاضها بعد إزاحة قاسم عن السلطة ، وذلك بتأميم تلك الشركات ، وسرعان ما هبطت نوعية الإنتاج إلى مستويات متردية في تلك الشركات المؤممة ، وبدأت تسجل خسائر تتحمل الدولة أعبائها ، بعد أن كانت تسجل أرباحاً يستفيد منها أصحاب الأسهم بشكل مباشر والبلد بشكل غير مباشر .
إن إعادة تلك التجربة الرائدة يؤدي بإسراع حركة النمو الصناعي دون أن تسبب خسائر وأعباء إضافية على القطاع الحكومي . وكل ما تحتاج الدولة عمله هو تشجيع قيام مصارف وطنية من ناحية ، وان تدفع المصارف الحكومية إلى المساهمة في شراء جزء من اسهم الشركات التي يتم إنشائها حديثاً من ناحية ثانية ، وتقدم القروض اللازمة لتلك الشركات حتى تنهض على أقدامها ، ثم تقوم تلك المصارف ببيع حصصها بعد أن تصبح تلك الشركات مؤسسات رابحة ، ولتستثمر تلك الأموال من جديد في مشاريع جديدة . إن القروض التي تقدمها المصارف الحكومية لا بد وان تكون قروض ميسرة بفائدة اسمية ، كي تعطي تلك الشركات الناشئة زخماً وقوة للوقوف أمام البضاعة المستوردة ، تلك البضاعة التي يتم استيرادها من مصانع وشركات تتمتع بخبرتها العريقة وإمكاناتها الكبيرة .
تشجيع إنشاء المصارف الوطنية المساهمة : تقوم المصارف عادةً بدور أساسي في بناء الاقتصاد الوطني ، وعلى الأخص في القطاع الصناعي ، وحيث إن مصارف الدولة تكون مكبلة بالروتين والبيروقراطية ، والتي يصعب معها قيام تلك المصارف بمثل هذا الدور المهم ، لذا كان من الضروري تشجيع ودعم المصارف الوطنية الأهلية ، وإحدى طرق الدعم لهذه المصارف هو استثمار جزء من أموال الدولة فيها ، كان تستثمر أموال القاصرين وأموال الأوقاف وأموال التقاعد وغيرها فيها ، وكذلك مساهمة المصارف الحكومية بإيداع بعض أموالها ايضاً في تلك المصارف الأهلية . وحتى نبني جسور الثقة بين هذه المصارف الناشئة وبين المودعين ، فمن الممكن إنشاء شركات تامين وطنية إلى جانبها ، لتؤمن للمودعين أموالهم في حالة إفلاس أو خسارة هذه المصارف ، وتساهم الدولة في جزء من نفقات وأجور التامين ، كما تساهم ميزانية المحافظة في جزء آخر ، وفي نفس الوقت تسن قوانين صارمة استثنائية تعاقب المتلاعبين والنصابين الذين قد يستغلوا مثل هذه المؤسسات لسرقة الأموال ، وكما يحصل في الكثير من دول المنطقة .
تسهيل القروض المصرفية والاستيرادات الصناعية : إن جزء من التامين الذي يمكن أن تساهم الدولة في تمويله ينصب لتعويض المودعين في هذه المصارف عند إفلاس تلك المصارف ، بينما يكون الجزء الآخر من التامين هو لتعويض المصارف في حالة فشل مشروع صناعي أو تعثره ، وقد كان قد اقترض من تلك المصارف بعض المال ، ففي هذه الحالة تستطيع شركات التامين أن تعوض المصرف عن خسائره . ومثل هذا الإجراء سيشجع الناس على إيداع أموالها في المصارف من ناحية ، كما يشجع تلك المصارف لتقديم القروض للمشاريع الصناعية لما فيها من ضمانة لأموالها من ناحية ثانية ، كما ويدفع بالصناعات الوطنية بالنهوض والنمو نتيجة للدعم المادي المصرفي . وقد يكون من المفيد جداً مساهمة المحافظات والدولة ، بتسديد جزء من الأرباح عن بعض القروض الصناعية وكمنحة لتلك المشاريع ، كما يمكن أن تعفي المصارف من الضرائب المترتبة على القروض الصناعية .
أما الاستيرادات الصناعية من معدات وأجهزة أو مواد أولية لتلك المصانع الوطنية الناشئة ، فيمكن أن تكون معفاة من الضرائب الكمركية بشكل كامل ، وتعطى تسهيلات خاصة إضافية ، على أن تكون هناك لجان متخصصة فنية تدرس تلك الاستيرادات بشكل منطقي وعلمي ، حتى لا تسمح بالتلاعب والاستفادة من الثغرات القانونية . وكمثال على ذلك ولتوضيح الفكرة فان قانون الكمارك كان يفرض ضريبة كمركية تبلغ 180% على أجهزة التكييف الكبيرة المستوردة من الخارج والكاملة التصنيع ، أما الأجهزة الغير كاملة التصنيع والتي يفترض أن يتم تصنيع بعض أجزائها في الداخل فكانت تخضع إلى دفع 15% فقط من قيمتها كضريبة كمركية ، وقد استغل البعض مثل هذه الثغرة ، فاصبح يستورد أجهزة مفككة ويتم ربطها خلال سويعات ، ولا يدفع عنها غير 15% فقط .
هنالك الكثير من المصانع الأهلية التي تقوم بالاستفادة من تلك الثغرات القانونية ، فتكون الدولة قد خسرت الكثير من الضرائب ، بينما استفاد أناس لم يقدموا للصناعة الوطنية أي خدمة ولم يقوموا بإنتاج أي شيء مهم ، وكل ما فعلوه انهم قاموا بعملية نصب مستغلين تلك الثغرة القانونية .
إنشاء المصانع الكبرى من قبل شركات الدولة : من المؤكد إن إقامة المصانع الكبرى ذات الستراتيجية الكبيرة ، كمصانع البتروكيماويات والأسمدة والألمنيوم وغيرها يكون عسيراً على القطاع الخاص بإنشائها في الوقت الحاضر ، لما تحتاجه من راس مال كبير وتقنية عالية وخبرات مختلفة ، فيمكن والحالة هذه أن تقوم الدولة من القيام بإنشاء تلك المصانع ، ثم بيع أسهمها إلى القطاع الخاص بعد أن تبدأ العمل وتقوم بالإنتاج والأرباح . وقد يكون ممكناً ايضاً أن تباع تلك الأسهم بالتقسيط حتى يسهل شرائها من قبل القطاع الخاص ، كما يمكن أن توزع بعض الأسهم كجزء من التعويضات التي تدفعها الدولة لبعض المتضررين والتي تقرر الدولة تعويضهم ، كالأسرى الذين قضوا سنوات طويلة في الأسر ، أو عوائل الذين استشهدوا في الحروب أو غير ذلك . إن بيع مثل هذه المشاريع الكبيرة على القطاع الخاص سيوفر سيولة مالية لتلك الشركات الحكومية تمكنها من إنشاء مصانع جديدة يمكن نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص من جديد ، وقد يكون من المستحسن عدم احتكار بيع الأسهم لقلة من الاشخاص شخص ، بل تباع على اكبر عدد ممكن من المواطنين حتى تعم الفائدة ، وتنتشر الرفاهية بين القطاع الأعظم من الناس ، وتنمي فكرة الشركات المساهمة
تقبلو تحياتي
لعل مستقبل مدينة البصرة لا يؤهلها بان تكون المنطقة الصناعية الأولى في العراق فحسب ، بل أن تكون المنطقة الصناعية الأولى في الشرق الأوسط وذلك لعدة أسباب :
1 . غزارة الأحواض النفطية فيها : دلت المكتشفات الحديثة إلى إن منطقة البصرة تحوي على أحد اكبر مخزون نفطي في العالم ، من حيث تواجد اكبر الأحواض النفطية الغزيرة حولها ، كحقل مجنون ، وحقل السيبة ، وحقول الرميلة والنخيلة ، وحقل جنوب القرنة الذي يمتد إلى مناطق الاهوار ، والحقول التي تمتد إلى داخل حدود السعودية والكويت وغيرها ، كل هذا يجعلها مؤهلة لإنشاء مصانع تكرير النفط الخام وتصديره بعد عملية التكرير بما يوفر من وارد إضافي كبير وأعمال كثيرة للعمال والفنيين والمتخصصين .
2 . توفر كميات هائلة من الغاز الطبيعي : ولنفس السبب السابق فان كميات الغاز المستخرجة ، والتي ترافق عملية إنتاج النفط ستمكن من إقامة مصانع تسييل الغاز بعد تنقيته بغية تصديره إلى الخارج .
3 . إمكانية التوسع في صناعة البتروكيماويات : كما وان الكميات الهائلة للغاز ستفرض إقامة المزيد من مصانع البتروكيماويات والأسمدة المختلفة .
4 . إمكانية إقامة محطات توليد الطاقة : بالإضافة إلى ما تم ذكره فان توفر الغاز الطبيعي سيسهل من إمكانية إنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية التي تعتمد على ذلك الغاز الطبيعي ، والاستفادة من الكهرباء في تغذية الكثير من الصناعات ، مثل استخراج وتصنيع الألمنيوم ، والحديد ، وغير ذلك .
5 . موقعها على الخليج : إن موقع البصرة المميز وكونها وضواحيها من الموانئ البحرية الوحيدة للعراق ، فان ذلك سيساهم في تأهيلها لإنشاء منطقة صناعية وتجارية حرة ، تمتد على مساحة المثلث بين ميناء أم قصر وميناء خور الزبير وميناء الفاو . إن مما يساعد على إنشاء هذه المنطقة الحرة بالإضافة إلى الموقع الجغرافي هو رخص أجور العاملين فيها سواء كانت البسيطة أو الماهرة بما فيهم من مهندسين وفنيين . هذا بالإضافة إلى توفر الطاقة الكهربائية والوقود بأسعار رخيصة جداً ، وتوفر الماء اللازم للصناعة بأسعار رخيصة ، كما وأن منطقة البصرة تتصل بشبكة من وسائل النقل البري والنهري والبحري ، وقربها من أسواق الاستهلاك أو موانئ التصدير ، والكثير من المواد الأولية متوفر فيها أو قريب منها ، راجع بحث (المثلث الصناعي التجاري الحر) .
إن بإمكان مثل هذه المنطقة الحرة تجهيز العراق بالكثير من الصناعات المختلفة التي يحتاجها ، كما وان بإمكانها استهلاك الكثير من مواده الأولية ، سواء كانت معدنية أو زراعية وحيوانية ، هذا بالإضافة إلى جعلها منطقة تصدير واستيراد من والى العالم الخارجي .
الخطوات التي يتطلب اتباعها في التحويل الصناعي :
المقومات الصناعية الكبيرة المتوفرة في البصرة لا تكفي من تحويل المدينة إلى منطقة صناعية ما لم تترجم بخطوات عملية مصاحبة لها ، ولعل أهم تلك الخطوات ما يلي :
تخصيص منطقة صناعية ضمن المنطقة التجارية الحرة : لعل أحد أهم الأسباب في تنشيط الصناعة هو إقامة المنطقة الصناعية التجارية الحرة والتي اقترحنا أن تكون ضمن المثلث بين مدينة الفاو وخور الزبير وأم قصر ، والذي نطلق عليه المثلث التجاري الصناعي الحر . إن أهمية هذه المنطقة تأتي لتحرير الصناعة من القيود التي تعاني منها داخل العراق ، والتي قد تحتاج إلى عقود طويلة للتخلص منها ، من الروتين الحكومي وقوانين الاستيراد والتصدير وقوانين العمل وغيرها . وبعد إن تدرس الصناعات التي يمكن أن تقام في ذلك المثلث وتقسّم الأراضي بمساحات تتناسب مع المشاريع ، ويتم توصيل الماء والكهرباء والغاز وتعبيد الشوارع وتنظيم مياه المجاري والصرف الصحي يتم توزيعها ، حيث تعطى الأولوية إلى أبناء المنطقة والعراقيين الذين يعيشون في المهجر ، ثم إلى المشاريع التي يقوم بها غير العراقيين وحسب أهميتها وحاجة البلد إليها ، راجع بحث (مشروع المثلث الصناعي التجاري الحر) .
إن دراسة مستفيضة لا بد وأن تجرى على مثل هذا المشروع وإشراك الصناعيين أصحاب المصلحة في مثل هذه الدراسة ، والاستفادة من التجارب التي مرت في المشاريع المشابهة في دولة الإمارات العربية وغيرها .
تعديل القوانين الصناعية بإيجاد الاستثنائات : كما يعتمد الفقهاء المقولة ،"ادرءوا الحدود بالشبهات" ، فان هنالك كثير من القوانين الصناعية التي صيغت وطبقت بشكل جامد يمكن تخفيف وطأتها بالاستثنائات ، مثال ذلك عدم إمكانية إقامة مشروع صناعي إلا في المنطقة الصناعية المخصصة للمدينة . وبالرغم ما يبدوا عليه القانون من منطقية إلا إن الذين وضعوا أسسه هم أناس أكاديميين بعيدين عن ساحة العمل وفهم المشاكل العملية ! فالذي يريد أن ينشأ مصنعاً للدبس مثلاً ، يجب أن يكون موقع مصنعه وحسب صيغة القانون ، بـين بقية المصانع في تلك المنطقة ، علماً إن تلك المنطقة غير مناسبة لمثل هذه الصناعة لعدم توفر كميات كبيرة من الماء الضروري لهذه الصناعة ، ولكثرة الغبار الذي قد يؤثر على جودة المنتج أثناء خزن التمر واثناء عمليات التصنيع ، وذلك سيؤدي إلى تضاعف الكلفة بسبب المصاريف الإضافية التي يتحملها التصنيع جراء عمليات النقل والخزن ، كنقل التمر إلى المصنع ونقل بقايا التمر من المصنع ، كما وان المساحات المخصصة للمصانع لا تكون كافية لمثل هذا المشروع ، وكلفة الأرض التي تبيعها البلدية لصاحب المصنع ستكون باهظة . ومثال طريف آخر : فالذي يريد إنشاء مصنع للبلاط (الكاشي) أو الخرسانة الكونكريتية عليه أن يضع جهاز إطفاء للحريق في المصنع ، بالرغم انه لا يوجد أي شيء فيه قابل للاحتراق ، ومحتويات المواد الداخلة في التصنيع هي مواد تستخدم في إطفاء الحريق عادةً لا في حدوثه ، كالرمل والماء والحصى ، وقس على هذا . فإذا كنا لا نستطيع إن نغير قوانين الدولة لأننا جزء من العراق الذي يخضع لهذه القوانين ، فان بإمكان البلدية بما تملك من صلاحيات في استقلاليتها الإدارية عن الدولة أن تجعل لهذه القوانين استثنائات تقوم لجنة خاصة بدراسة ظروف كل مشروع ، وبشكل مستقل ، وحل مشاكله القانونية بانفراد .
المساواة في الخدمات : قدم المصرف الصناعي والمصرف الزراعي في العقود الماضية الكثير من القروض والتسهيلات المصرفية للمشاريع المقامة في محافظات المنطقة الوسطى وبعض محافظات المنطقة الشمالية ، أما المنطقة الجنوبية فكان نصيبها من تلك المصارف ، هو البنايات التي تحمل أسماء تلك المصارف فقط ، إذ لم تقدم قروضاً أو تسهيلات للمشاريع المقامة هناك ولو عن طريق الخطأ ، ومن يتقدم لأي مشروع يضعوا أمامه قائمة من الشروط الغير منطقية والتي لا يمكن تنفيذها عملياً ، في الوقت الذي كانت نفس تلك المصارف تتغاضى عن كل ذلك في المناطق الأخرى . إن نظام المحافظ والمجلس البلدي المنتخبان من قبل أهالي المحافظة والذي لا بد من تطبيقه إذا أردنا نظام ديمقراطي ، يجب أن يتدخل لرفع هذا الغبن في التمييز بين المحافظات (راجع النظام السياسي لمدينة المستقبل) .
تشجيع المهندسين وذوي الاختصاص بإقامة المشاريع الصناعية : لقد كانت كل المصانع الصغيرة ولغاية عام 1982 مملوكة من قبل أناس بعيدون عن الصناعة والتخصص الصناعي ، (ولا يعلم الباحث عن حالها بعد ذلك) ، فمن بين اكثر من ألفين مشروع صناعي مسجل في اتحاد الصناعات في البصرة كان هناك شخص واحد مهندس فقط ، أما الباقون فكانوا بين خياط وبقال وراعي غنم وفلاح وغير ذلك ، وكان هناك بضع مهندسين يعدون على أصابع اليد الواحدة يمتلكون مصانع ولكنها مسجلة بأسماء أناس آخرين ، وأنا هنا لا أريد أن انقص من قدر أصحاب المصانع أو اتحاد الصناعات ، إلا إن هذه الحقيقة تمثل كارثة صناعية ، فعندما تدار تلك الصناعات من قبل أشخاص ليسوا بذوي اختصاص ولا يفهموا حتى المبادئ الأولية في الصناعة ، وأكثرهم لا يعرف حتى القراءة والكتابة ، فعلينا أن نتصور كيف سيكون حال الصناعة ؟
لعل القارئ يتعجب من هذا الوضع ويتساءل عن السبب ، والتعمق في معرفة هذه المصيبة هو أمر اشد مرارة من المصيبة نفسها ! ذلك لان القوانين أو قرارات مجلس قيادة الثورة التي تتمتع بقوة القانون ، تحضر على كل مهندس أن يفتح مشروع صناعي إلا بعد أن يحصل على موافقة من مجلس قيادة الثورة ! ! والحجة في ذلك إن الدولة كانت تحتاج هؤلاء المهندسين في العمل في مؤسساتها ، وتمنع عليهم الاستقالة أو العمل في أي مكان آخر ، كالمقاولات مع الدولة ، والعمل مع الشركات الأجنبية المقاولة ، وفتح المصانع وغير ذلك . وقد نسي المسؤولون إن ذلك سيحرم هذه القطاعات من العناصر الكفوءة والمتعلمة ، ولم يهتموا إلا بملأ الشاغر لديهم ، وتكديس أولاءك المهندسين في الدوائر وكبطالة مقنعة ، أو ليقوموا بأعمال إدارية أو شبه إدارية يستطيع أن يشغلها الإداريون والفنيون وربما بكفاءة أعلى .
إن أحد أسباب تطور الصناعة في المستقبل يكمن بالاستفادة من هذه العناصر الشابة المتعلمة ، وتسهيل القروض المصرفية لهم ليبدؤوا في إنشاء المصانع بعد تأهيلهم لتلك الصناعات نظرياً وعملياً ، وان تلك المصانع الصغيرة يمكن إن تتطور لتصبح شركات ومصانع كبيرة تساهم في النهضة الصناعية للبلد بعد فترة من الزمن ، راجع بحث (بناء القاعدة الصناعية في العراق) .
عمل دراسات للمشاريع الجديدة التي يمكن إقامتها : يمكن للمحافظة وباستخدام بعض الأخصائيين وبالتعاون مع وزارة الصناعة ايضاً ، من عمل دراسات مفصلة حول المشاريع التي تحتاجها المحافظة مع كيفية تنفيذها ، مما يشجع بعض المستثمرين من الاستفادة من تلك الدراسات وتنفيذ تلك المشاريع ، ودون البحث عن مشاريع تحتاج إلى الدراسة ، وعلى الأخص إذا أعطيت تلك المشاريع بعض الامتيازات والتسهيلات الإضافية . إن هنالك الكثيرون من المستثمرين الذين يبحثون عن استثمار لأموالهم ، ولكن تنقصهم الخبرة والمعلومات الكافية لاختيار المشروع المناسب ، ويخشون المجازفة بمشروع غير مدروس جيداً ولا تعرف نتائجه .
تقديم الدعم المادي والمنح لإقامة بعض المشاريع : هنالك الكثير من المشاريع المهمة للعراق ككل ولمحافظة البصرة بشكل خاص ، كالمشاريع الخاصة بإنتاج وتصنيع بعض المواد الغذائية التي تفتقر إليها المحافظة ، مثل مصانع الألبان على سبيل المثال ، أو التي تستخدم المواد الأولية التي يمكن الاستفادة منها وتصنيعها ، أو التي تحل بعض المشاكل التي تعاني من نقصها المنطقة ، كمشاريع العلف الحيواني والمشاريع التي تساهم بحل مشاكل السكن أو النقل والسياحة والزراعة والى آخر القائمة . إن مثل هذه المشاريع قد تحتاج بعض الدعم الذي يجب أن تتحمله الدولة ، وميزانية المحافظة ، وهذا الدعم قد يكون بإعطاء التسهيلات الإضافية من ارض أو توصيل الكهرباء وبيعها بأسعار مخفضة أو توصيل الماء والغاز والى آخره ، وقد يكون دعم مالي على شكل منح أو قروض إضافية مسهلة . إن هذا الدعم وبدون شك قد يساهم بإنجاز مشاريع صناعية غير مرغوب بها كثيراً من قبل المستثمرين ، ويخلق توازن بين ما تحتاجه المنطقة وما يمكن أن تقدمه الصناعة المحلية .
تشجيع إنشاء الشركات الصناعية المساهمة : لقد خطت الحكومة العراقية أيام عبد الكريم قاسم في الفترة ما بين 1958 – 1963 م خطوات عملية بخلق نواة للصناعات الوطنية ، فقد شجعت وساهمت وقدمت القروض لإنشاء شركات صناعية مساهمة ، وكانت النتيجة مولد عدة شركات صناعية منها ، شركة الصناعات الخفيفة ، وشركة الصناعات الكهربائية وغيرها كما تأسس عدد من المصارف الوطنية ايضاً ، ولو تم الاستمرار بهذا العمل والسير في هذا الطريق لأصبح العراق أحد الدول الصناعية المهمة ، حيث استطاعت هذه الشركات من القيام بتصنيع عدد من المنتجات المهمة التي يحتاجها السوق وبكفاءة عالية ومدة يسيرة ، ولكن هذه التجربة الرائدة تم إجهاضها بعد إزاحة قاسم عن السلطة ، وذلك بتأميم تلك الشركات ، وسرعان ما هبطت نوعية الإنتاج إلى مستويات متردية في تلك الشركات المؤممة ، وبدأت تسجل خسائر تتحمل الدولة أعبائها ، بعد أن كانت تسجل أرباحاً يستفيد منها أصحاب الأسهم بشكل مباشر والبلد بشكل غير مباشر .
إن إعادة تلك التجربة الرائدة يؤدي بإسراع حركة النمو الصناعي دون أن تسبب خسائر وأعباء إضافية على القطاع الحكومي . وكل ما تحتاج الدولة عمله هو تشجيع قيام مصارف وطنية من ناحية ، وان تدفع المصارف الحكومية إلى المساهمة في شراء جزء من اسهم الشركات التي يتم إنشائها حديثاً من ناحية ثانية ، وتقدم القروض اللازمة لتلك الشركات حتى تنهض على أقدامها ، ثم تقوم تلك المصارف ببيع حصصها بعد أن تصبح تلك الشركات مؤسسات رابحة ، ولتستثمر تلك الأموال من جديد في مشاريع جديدة . إن القروض التي تقدمها المصارف الحكومية لا بد وان تكون قروض ميسرة بفائدة اسمية ، كي تعطي تلك الشركات الناشئة زخماً وقوة للوقوف أمام البضاعة المستوردة ، تلك البضاعة التي يتم استيرادها من مصانع وشركات تتمتع بخبرتها العريقة وإمكاناتها الكبيرة .
تشجيع إنشاء المصارف الوطنية المساهمة : تقوم المصارف عادةً بدور أساسي في بناء الاقتصاد الوطني ، وعلى الأخص في القطاع الصناعي ، وحيث إن مصارف الدولة تكون مكبلة بالروتين والبيروقراطية ، والتي يصعب معها قيام تلك المصارف بمثل هذا الدور المهم ، لذا كان من الضروري تشجيع ودعم المصارف الوطنية الأهلية ، وإحدى طرق الدعم لهذه المصارف هو استثمار جزء من أموال الدولة فيها ، كان تستثمر أموال القاصرين وأموال الأوقاف وأموال التقاعد وغيرها فيها ، وكذلك مساهمة المصارف الحكومية بإيداع بعض أموالها ايضاً في تلك المصارف الأهلية . وحتى نبني جسور الثقة بين هذه المصارف الناشئة وبين المودعين ، فمن الممكن إنشاء شركات تامين وطنية إلى جانبها ، لتؤمن للمودعين أموالهم في حالة إفلاس أو خسارة هذه المصارف ، وتساهم الدولة في جزء من نفقات وأجور التامين ، كما تساهم ميزانية المحافظة في جزء آخر ، وفي نفس الوقت تسن قوانين صارمة استثنائية تعاقب المتلاعبين والنصابين الذين قد يستغلوا مثل هذه المؤسسات لسرقة الأموال ، وكما يحصل في الكثير من دول المنطقة .
تسهيل القروض المصرفية والاستيرادات الصناعية : إن جزء من التامين الذي يمكن أن تساهم الدولة في تمويله ينصب لتعويض المودعين في هذه المصارف عند إفلاس تلك المصارف ، بينما يكون الجزء الآخر من التامين هو لتعويض المصارف في حالة فشل مشروع صناعي أو تعثره ، وقد كان قد اقترض من تلك المصارف بعض المال ، ففي هذه الحالة تستطيع شركات التامين أن تعوض المصرف عن خسائره . ومثل هذا الإجراء سيشجع الناس على إيداع أموالها في المصارف من ناحية ، كما يشجع تلك المصارف لتقديم القروض للمشاريع الصناعية لما فيها من ضمانة لأموالها من ناحية ثانية ، كما ويدفع بالصناعات الوطنية بالنهوض والنمو نتيجة للدعم المادي المصرفي . وقد يكون من المفيد جداً مساهمة المحافظات والدولة ، بتسديد جزء من الأرباح عن بعض القروض الصناعية وكمنحة لتلك المشاريع ، كما يمكن أن تعفي المصارف من الضرائب المترتبة على القروض الصناعية .
أما الاستيرادات الصناعية من معدات وأجهزة أو مواد أولية لتلك المصانع الوطنية الناشئة ، فيمكن أن تكون معفاة من الضرائب الكمركية بشكل كامل ، وتعطى تسهيلات خاصة إضافية ، على أن تكون هناك لجان متخصصة فنية تدرس تلك الاستيرادات بشكل منطقي وعلمي ، حتى لا تسمح بالتلاعب والاستفادة من الثغرات القانونية . وكمثال على ذلك ولتوضيح الفكرة فان قانون الكمارك كان يفرض ضريبة كمركية تبلغ 180% على أجهزة التكييف الكبيرة المستوردة من الخارج والكاملة التصنيع ، أما الأجهزة الغير كاملة التصنيع والتي يفترض أن يتم تصنيع بعض أجزائها في الداخل فكانت تخضع إلى دفع 15% فقط من قيمتها كضريبة كمركية ، وقد استغل البعض مثل هذه الثغرة ، فاصبح يستورد أجهزة مفككة ويتم ربطها خلال سويعات ، ولا يدفع عنها غير 15% فقط .
هنالك الكثير من المصانع الأهلية التي تقوم بالاستفادة من تلك الثغرات القانونية ، فتكون الدولة قد خسرت الكثير من الضرائب ، بينما استفاد أناس لم يقدموا للصناعة الوطنية أي خدمة ولم يقوموا بإنتاج أي شيء مهم ، وكل ما فعلوه انهم قاموا بعملية نصب مستغلين تلك الثغرة القانونية .
إنشاء المصانع الكبرى من قبل شركات الدولة : من المؤكد إن إقامة المصانع الكبرى ذات الستراتيجية الكبيرة ، كمصانع البتروكيماويات والأسمدة والألمنيوم وغيرها يكون عسيراً على القطاع الخاص بإنشائها في الوقت الحاضر ، لما تحتاجه من راس مال كبير وتقنية عالية وخبرات مختلفة ، فيمكن والحالة هذه أن تقوم الدولة من القيام بإنشاء تلك المصانع ، ثم بيع أسهمها إلى القطاع الخاص بعد أن تبدأ العمل وتقوم بالإنتاج والأرباح . وقد يكون ممكناً ايضاً أن تباع تلك الأسهم بالتقسيط حتى يسهل شرائها من قبل القطاع الخاص ، كما يمكن أن توزع بعض الأسهم كجزء من التعويضات التي تدفعها الدولة لبعض المتضررين والتي تقرر الدولة تعويضهم ، كالأسرى الذين قضوا سنوات طويلة في الأسر ، أو عوائل الذين استشهدوا في الحروب أو غير ذلك . إن بيع مثل هذه المشاريع الكبيرة على القطاع الخاص سيوفر سيولة مالية لتلك الشركات الحكومية تمكنها من إنشاء مصانع جديدة يمكن نقل ملكيتها إلى القطاع الخاص من جديد ، وقد يكون من المستحسن عدم احتكار بيع الأسهم لقلة من الاشخاص شخص ، بل تباع على اكبر عدد ممكن من المواطنين حتى تعم الفائدة ، وتنتشر الرفاهية بين القطاع الأعظم من الناس ، وتنمي فكرة الشركات المساهمة
تقبلو تحياتي